فصل: مسألة عبد بين أختين فحضرت إحداهما الوفاة فأوصت بنصيبها في العبد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة قال لفلان وفلان خمسمائة ثم قال ولفلان مثله:

قال ابن القاسم أيضا: ولو قال: لفلان وفلان خمسمائة ثم قال: ولفلان مثله، أعطي ثلث الخمسمائة، وإنما هو بمنزلة من قال: بين فلان وفلان وفلان خمسمائة، ثم كلم في آخر فقال: له مثله، كان له ثلث خمسمائة من الثلث إن حمله، أو يحاص على ما فسرت لك.
قال محمد بن رشد: قوله: كان له ثلث خمسمائة من الثلث إن حمله، يريد إن حمله مع الخمسمائة وقوله: أو يحاص يريد إن لم يحمل ذلك الثلث، فيعطي مثل ثلث الخمسمائة من ثلث الميت، ويأخذ الثلاثة الخمسمائة أيضا فإن كان الثلث أقل من ستمائة وستة وستين وثلثين تحاصوا فيه، فكان بينهم أرباعا، وإن كان درهما واحدا لأن وصاياهم كلهم مستوية، ولا اختلاف في هذه المسألة، وهي تبين ما وقع في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى من قول ابن القاسم الذي ذكره فيه من رسم العشور، وبالله التوفيق.

.مسألة يوصي للرجل بجارية له بعد موته هل للموصي أن يطأها:

وسئل عن الرجل يوصي للرجل بجارية له بعد موته، هل للموصي أن يطأها؟ قال: نعم. ويوصي بعتقها فيطؤها، وذلك لأنه يرد ذلك إن شاء ويبيعها إن شاء، ولكن ما تصدق أو أعتق بتلا في مرضه، فليس له أن يطأها وإن كان إنما يكونان في الثلث، ويخرجان من الثلث؛ لأنه إذا صح أنفذ عليه من رأس المال، ولم يستطع تحويلها عن حالهما.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه والأصل في هذا أن كلما يجوز له الرجوع فيه، فله وطؤه وكل ما لا يجوز له الرجوع فيه، فليس له وطؤه إلا المدبرة فإن وطأها له جائز، وليس له أن يرجع فيها للسنة القائمة فيها خاصة، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى لأجنبي وأوصى لجميع من يرثه بوصايا:

قال: وسمعت ابن القاسم يقول: إذا أوصى لأجنبي، وأوصى لجميع من يرثه بوصايا سواهم فيها، وسهامهم في الفرض مختلفة مورث بعضهم أكثر من مورث بعض، فأرى الورثة يحاصون الأجنبي بما فضل به بعضهم على بعض في قدر مواريثهم، ثم إن شاؤوا أمضوا بعضهم لبعض، وإن شاؤوا ردوه، فكان بينهم على قدر فرائضهم، ومن شاء منهم أمضى، ومن شاء رده. وقاله أصبغ وتفسيره أن يكون له ابنان وابنتان فيعطي كل واحد منهم مائة مائة الذكر والأنثى جميعا في وصية أو في مرض موت بتلا، ثم يموت، إنه يطرح حظوظ الذكور مائة مائة وحظوظ الإناث خمسين خمسين؛ لأنه إنما أوصى لهم وأعطاهم الذي هو لهم، وتكون الوصايا والعطايا للإناث دون الذكور بخمسين خمسين، تمام المائة التي زادهم على حظوظهم فيكون موصى لهن بها فقط، فيكون ذلك وصية لوارث دون وارث، فإن أجاز ذلك الورثة لهن وإلا بطل ذلك كله ورجع مالا وميراثا على الفرائض، فإن أجاز واحد من الابنين للابنتين جاز لهما حصته من المائة التي جعلت له وصية لو قسمت على الفرائض وهو ثلاثة وثلاثون وثلث، بينهما ويكون لهما منه مثلها وأخذا بالميراث وأخذ الابن الذي لم يجز لهما منها مثلها تمام المائة بالميراث وبالرد للإجازة وإن أجاز لإحداهما دون الأخرى، فعلى حساب ذلك، وإن أجاز الآخر لبعض دون بعض فكذلك، وإن كانوا معهما وصايا حوص لهما بالمائة مع الوصايا ثم صار بما أصابها بينهم البين يعني على هذا التفسير على الإجازة وغير الإجازة. قال: وقال لي ابن القاسم: ولو أوصى للأجنبي وأوصى لجميع ورثته بوصايا على قدر مواريثهم سواء لم يحاصوا أهل الوصايا بوصاياهم في ثلث الميت وكان لأهل الوصايا دون الورثة إن أحاطت وصاياهم بجميع الثلث، وكذلك لو لم يكن إلا وارث واحد، فأوصى بوصايا، وأوصى لوارثه ذلك بوصية، لم يضر ذلك أهل الوصايا، ولم يحاصهم، وأسلم إليهم الثلث كله حتى يستوعبوا وصاياهم، ولو كانوا وارثين أو أكثر وأوصى لواحد منهم بشيء حاص الوارث الموصى له أهل الوصايا بذلك، ثم رجع ذلك إلى الورثة إلا أن يجيزوه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن الرجل إذا أوصى لأجنبي ولجميع ورثته بوصايا سواهم فيها، وسهامهم في الفرض مختلفة، فإن الورثة يحاصون الأجنبي بما فضل به بعضهم على بعض، يريد إذا لم يحمل الثلث ما أوصى به للأجنبي ولبعضهم، إذ لا فرق بين أن يوصي لأجنبي ولبعض الورثة، وبين أن يوصي لأجنبي ولجميع الورثة بوصايا متفقة، وسهامهم في الفرض مختلفة؛ لأنه إذا فعل ذلك، فقد فضل في الوصية من قل حظه في الميراث على من كثر حظه فيه. والتفضيل له عليه وصية له دونه. وتفسير أصبغ لمذهب ابن القاسم بقوله: إن ذلك مثل أن يكون له ابنان وابنتان فيوصي لكل واحد منهم بمائة مائة، فيكون قد فضل البنتين في الوصية بخمسين خمسين، فإن كان أوصى لأجنبي معها بوصية، ولا يحمل ذلك ثلثه، تحاصا فيه في الثلث الابنتان بمائة والأجنبي بمبلغ وصيته فما صار من الثلث للابنتين في المحاصة، كان سائر الورثة بالخيار، بين أن يجيزوا ذلك لهما ويمضوه، وبين أن يردوه ميراثا بين جميعهم تفسير صحيح. وقد قيل: إنهما يحاصان الأجنبي بما زاد ما أوصى به لهما على ما يجب لهما بالميراث من جميع الوصية لهما ولأخويهما وذلك ستة وستون وثلثان؛ لأن مبلغ الوصية لهما ولأخويهما أربعمائة، يجب لهما منها بالميراث مائة وثلاثة وثلاثون وثلث، وقد أوصى لهما ولأخويهما بمائتين فتبقى الوصية لهما ستة وستون وثلثان، فهي التي يحاصان بها الأجنبي وهذا القول أظهر ويجب على قياسه إذا أوصى الرجل لأجنبي، ولبعض الورثة، فلم يحمل ذلك ثلثه، ألا يحاص الورثة الأجنبي إلا بما يبقى من وصية الوارث بعدما يجب له منها بالميراث مثال ذلك: أن يترك المتوفى أربع بنين ويوصي لأحدهم بمائة دينار، ولأجنبي بمائة دينار، وثلثه مائة دينار، فيحاص الأجنبي بخمسة وسبعين؛ لأن المائة التي أوصى له بها، يجب له منها بالميراث خمسة وعشرون، خلاف مذهب ابن القاسم والمشهور في المذهب أنه يحاص بجميع المائة، ومذهب ابن القاسم على ما فسره أصبغ أنهما يحاصان الأجنبي بجميع المائة التي أوصى بها لهما، ولا ينظر إلى ما يجب لهما منهما بالميراث، هو القياس على أصله، في أن الورثة يحاصون الأجنبي بجميع وصية الوارث وإنما يحاص الورثة الأجنبي بوصية الوارث إذا لم يحمل الثلث وصاياهما جميعا وأما إذا حملها الثلث فيأخذ الأجنبي وصيته كاملة وترجع وصية الوارث ميراثا بين جميع الورثة إلا أن يجيزوها له، وأما إذا لم يكن له إلا وارث واحد فأوصى له ولأجنبي فليس له أن يحاص بوصيته الأجنبي إذا لم يوص له إلا بما هو واجب له بالميراث، ولا حجة له على الأجنبي في الثلث فما دونه، وكذلك أيضا إذا أوصى لجميع ورثته بوصايا على قدر مواريثهم، فليس لهم أن يحاصوا الأجنبي بوصاياهم، إذا لم يوص لكل واحد منهم إلا بما يجب له بالميراث، ولا حجة لهم على الأجنبي في الثلث فما دونه، وبالله التوفيق.

.مسألة عبد بين أختين فحضرت إحداهما الوفاة فأوصت بنصيبها في العبد:

وسئل ابن القاسم عن عبد كان بين أختين، فحضرت إحداهما الوفاة فأوصت فقالت: لفلانة أختي لأبي من مالي في العبد الذي بينها وبين أختها الأخرى لأمها وأبيها عشرة دنانير، وبقيته صدقة عليه، تعني العبد والأخت التي أوصت لها بالعشرة، ليست ترثها. قال ابن القاسم: إن لم يزد على هذا رأيت أن يباع منه، يعني من نصيبها قدر لعشرة، فتدفع إلى الأخت ثم يعتق ما بقي من حصتهما إن حمله الثلث، وقاله أصبغ ولا تحسب العشرة في العبد فيكون للأخت ما تبلغ منه، ولكن يترك حتى يباع بقدرها ثم حينئذ يعتق ما بقي، إلا أن ترضى الموصى لها بالتمسك بقدر ذلك من العبد لا يباع، ولا تبالي بالانكسار لثمنه في العشرة يوما فيعطى بقدرها على القيمة منه يومئذ، ولا يعطى بقدر الذي كان يباع بالعشرة من أجزاء العبد إن كان أكثر من جزء العشرة بالقيمة وإلا بيع لها بها ما بلغت فأعطيت وعتق ما بقي لأنها سمت لها عشرة دنانير من ثمن عبد لها، والبيع أحيا وأوقر، وأنتم للوصية، فذلك لها فإنما جعلت كله ما يبقى بعد العشرة التي تباع منه بها إن بيع أو لم يبع فمبلغها منه، فإنما ذلك على القيمة والعدل، لا أكثر، أن مخارج الوصايا في الشيء على الأقل حتى يعرف الأكثر والبقية عتيق. قال ابن القاسم: إلا أن يوصي فيقول: بيعوا نصيبي، فأعطوا فلانا عشرة، وما بقي فهو للعبد، فإنه يباع نصيبها كله، فتعطى فلانة العشرة، وما بقي دفع إلى العبد، قال أصبغ: ولا عتق فيه حينئذ لأنه إنما أوصت له هاهنا بمال وسواء قالت: بيعوا نصيبي كله فأعطوه أو بيعوا نصيبي ولم تقل كله، فهو سواء يباع كله ويعطى ولا عتق عليه فيه.
قال محمد بن رشد: قوله في التي أوصت لأختها بعشرة دنانير في نصيبها من العبد الذي بينها وبين أختها وبقية نصيبها منه له: إن يباع لها من نصيبها من العبد بعشرة، ويعتق ما بقي من حظها منه صحيح بين لا إشكال فيه. وصفة البيع في ذلك أن يباع على التنقيص فيقال في النداء عليه: كم تأخذون من هذا العبد بعشرة على أن باقي نصفه عتيق؟ فيقول رجل: أنا آخذ ثلثه بعشرة، ويقول الآخر: أنا آخذ ربعه بعشرة، ويقول الآخر: أنا آخذ خمسة بعشرة، فإذا وقف على شيء بيع منه ذلك القدر بعشرة، وكذلك قال سحنون: إنه يباع على التنفيض وقول أصبغ: إن العشرة لا تحسب في العبد، فيكون لها منه بقدرها صحيح بين؛ لأن العشرة لا تحسب في العبد، فيكون لها منه بقدرها صحيح بين؛ لأن ذلك لا يجب عليها إلا أن تشاء إذ لم يوص لها بجزء منه، وإنما أوصى لها بدنانير. وأما قوله: إلا أن ترضى الموصى لها بالتمسك بقدر ذلك من العبد فيعطى بقدرها على القيمة منه يومئذ يريد: بأن يقوم العبد فيكون لها منه ما تقع العشرة من القيمة التي قوم بها، ولا يعطى من أجزائه بقدر ما كان يباع منه بالعشرة، ففيه نظر؛ لأن ذلك يقتضي أنه ليس لها أن تأخذ من العبد إلا ما تقع العشرة من قيمته، والذي أراه في هذا على أصلهم أنه إذا وقفت العشرة على جزء ما منه فلها أن تأخذ بالعشرة منه أقل من ذلك الجزء، وليس لها أن تأخذ منه ذلك الجزء بعشرة، إذ لا شك لها فيه، فيكون كالعبد بين الشريكين يبيع أحدهما نصيبه، فيكون للآخر أن يأخذه بما يعطي به، دون زيادة، مثال ذلك أن يقف على أن يباع منه خمسة بعشرة، فيقول هو: أنا آخذ سدسه بعشرة؛ لأنه يبعد في النظر أن يقال له: إما أن تأخذ عشرة بالعشرة لأن قيمته مائة، وإما أن تتركه فيباع لك منه خمسة بالعشرة؛ لأن أخذه سدسه بالعشرة أولى من أن يباع منه بها الخمس. وهذا بين والحمد لله وبه التوفيق.

.مسألة قال في مرضه بيعوا رأسا من رقيقي فاقضوا به ديني:

قال: وسألت ابن القاسم عمن قال في مرضه: بيعوا رأسا من رقيقي، فاقضوا به ديني، وبقيتهم أحرار وليس له مال غيرهم إنه يسهم عليهم، أيهم يباع في الدين، فمن خرج عليه السهم للدين، بيع في دينه وأسهم بعده في بقيتهم للعتق، فيعتق من خرج له السهم للعتق إن كان ذلك ثلث الميت، فإن فضل شيء من ثلثه، أسهم بين من بقي فمن خرج له السهم عتق منه بقدر ذلك الفضل. وقاله أصبغ وتفسيره أن يكون الدين ثلاثين، وجميع قيمة العبد خمسين ومائة، فيخرج السهم على عبد باسمه من عددهم على القيمة مثل أن يكونوا خمسة فبخمس القيم فإن كان العبد بثلاثين كان للدين وكان الأمر مستوفى وكان باقي المال عشرين ومائة فيسهم بين من بقي فمن خرج له السهم فله فيه قيمة أربعين فيعتق مبلغها منه وهو الثلث فإن كان كفافا فذلك وإن بقي من الأربعين بعد قيمته وعتقه شيء أسهم بين من بقي أيضا فمن له السهم أعتق منه تمام الأربعين، وهو تمام الثلث، يبلغ ذلك ما بلغ نصفه أو ثلثه أو أقل أو أكثر، ويرق ما بقي منه مع سائر الأعبد الذين لم يصبهم سهم البيع، ولا سهم العتق، قاله ابن القاسم وإن قصر الرأس الذي خرج السهم عليه للبيع عن دينه، كان ما بقي من الدين في جملة ما له سوى الرقيق، قال أصبغ: إن كان له مال سواهم، يتم به دينه أتم، ثم يعتق العبيد في ثلث ما بقي أو ما حمل الثلث منهم بالسهم. قال أصبغ: وتفسير هذا أن يكون الرقيق ثلثه، وله مال سواهم من عين أو عرص أو عقار أو غير ذلك، فرأس منها بالسهم للدين ليس بمبلغ الدين ولكن يبلغ ثلث القيم، وهو رأس من عددهم لوصيته، يباع رأس منها للدين، يبلغ ذلك من الدين ما بلغ ويرجع باقي الدين في سائر المال سوى العبيد، لتخلص الحرية فيمن بقي في جميعهم، كما أوصى بمبلغ الثلث؛ لأنه خصهم بالحرية دون الدين، وخص الدين بالرأس الأول دون الحرية، فيكون ذلك للدين خالصا والآخرين للحرية خالصا، وباقي الدين في سائرهم، ليعرف الثلث لهم من الباقي كله بعد الدين، فيعتق منهم مبلغه على سنته بالسهم، ويرق ما بقي مما لا يسعه الثلث بعد السهم له والمعرفة. قال ابن القاسم: لو لم يقل بيعوا رأسا من رقيقي لديني وأعتقهم جملة في وصيته وعليه دين، ولم يترك مالا غيرهم، أسهم بينهم فيمن يباع في دينه كله، حتى يباع قدر الدين كله، بيع فيه رأس أو رأسان أو أقل أو أكثر، ثم عتق ثلث ما بقي بالسهم، ورق الثلثان للورثة، إذا لم يكن له مال غيرهم، فإن كان له مال غيرهم، قضى منه دينه، ثم عتق العبيد جميعا في ثلث ما بقى بعد الدين أو ما حمل الثلث منهم بالسهم، وقاله أصبغ أيضا. وهذه السنة والعمل في هذا الآخر قال أصبغ: وإن قصر المال سوى العبيد عن الدين أسهم بينهم فيمن يرق لتمام الدين إن أحاط به كله، وإن أحاط ببعض رجع البعض الآخر إلى بقية العبيد فدخل معهم في عتق الوصية بالسهم عليه وعليهم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة حسنة مستوعبة قد فسر منها أصبغ ما أجمله فيها ابن القاسم والذي يحتاج إلى الوقوف عليه منها إن الرجل إذا أوصى بعتق عبيده في مرضه وعليه دين إنه إن لم يكن له مال سواهم، فسواء قال: بيعوا رأسا من رقيقي في ديني أو سكت عن ذلك، لابد أن يقرع بينهم فيمن يباع منهم في الدين خرج منهم فيه ما خرج، ثم يقرع فيمن بقي منهم، فيعتق ثلثهم بالقرعة. وأما إن كان له مال سواهم، فإن كان قال: بيعوا رأسا من رقيقي في ديني فكما قال، وإن كان لم يقل ذلك كان الدين فيما سوى العبيد، ثم يعتق من العبيد بالقرعة ثلث جميع مال الميت بعد الدين وبالله التوفيق.

.مسألة يقول في وصيته في مرضه أعتقوا خيار رقيقي:

وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول في وصيته في مرضه: أعتقوا خيار رقيقي، ولم يسم أحدا منهم، قال: يعتق أعلاهم ثمنا حتى يستوعب فيهم الثلث فإن شاء الله. واحتج بحديث النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: سئل أي الرقاب أفضل؟ قال: أعلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها. وقال أبو زيد بن أبي الغمر عن ابن القاسم مثله. وقاله أصبغ إلا أن يرى في مذهب الوصية أنه أراد الخيار في الدين والصلاح، لسبب يدل أو بساط، أو أمر، وذكر جرى له، فأوصى عليه، فيحصل على ذلك، وإلا فالأفضل ثمنا إن شاء الله. قال محمد بن رشد: قوله: إنه يعتق أعلاهم حتى يستوعب الثلث فيهم، أي في المرتفعين أثمانهم منهم، فإن كان الثلث يحمل جميعهم، فقد قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز وابن عبدوس: إنه يعتق فيه منهم المرتفعون، ولا يعتق الوخش، مثل ثمن خمسة عشر. قال: وهذا إن كانوا متباينين في الثمن جدا فيعرف بذلك أنه أراد المرتفعين منهم، وأما إن كانوا متقاربين في الأثمان، فليبدأ أهل الصلاح منهم، يريد حتى يستوعب الثلث فيهم أيضا، وإن حمل الثلث جميعهم، لم يعتق فيه إلا أهل الصلاح منهم على قياس ما قاله في المرتفعين مع الوخش، وإنما ينبغي أن يحمل قوله: أعتقوا خيار رقيقي على أنه أراد المرتفعين أثمانهم دون الخيار في الدين، إن كان ممن قرأ العلم، وسمع الأحاديث ورأيت لابن زرب أنه قال: فإن كانوا معتدلين كلهم في القيمة عتق جميعهم إن حملهم الثلث، والذي في كتاب ابن المواز لابن القاسم أنه إن كانت قيمتهم متقاربة حملت وصيته على أنه أراد بها الخيار في الدين هو الصواب والله أعلم.

.مسألة لا يلحق الأيتام دين بحال:

قال: وسمعت ابن القاسم يقول فيمن ترك ولدا وترك لهم مالا فأنفق عليهم ذلك المال، ولهم مال سواه ورثوه من أمهم، ثم طرأ دين على الميت هل يؤخذ من مالهم شيء مكان ما أنفق عليهم من مال الميت؟ قال: لا يؤخذ منهم شيء قال أصبغ: أرى أن تفض النفقة على المالين، وعلى قدر المال الذي ورثوه، والمال الذي لهم حتى كأنه مال واحد، فما أصاب المال الذي ورثوه، فأنفق عليهم هدر لأن السنة أن ينفق عليهم من جميع أموالهم، فهي وإن وقعت على مال المواريث فليس له خاصة هي منه على الجميع، فأرى أن يقسم كما فسرت لك، فما أصابها من النفقة سقطت عنه، وما بقي فكأنه متروك ترك للدين.
قال محمد بن رشد: اختار ابن المواز قول ابن القاسم، فقال: لا يلحق الأيتام دين بحال، إلا لمن أنفق عليهم سلفا، ولهم مال يرجع فيه. وقال في قول أصبغ: إنه حسن المسألة فيها أربعة أقوال: أحدها إنه ليس للغرماء الطارئين أن يرجعوا على بني الميت بما أنفق الوصي من التركة عليهم إن كان لهم يوم أنفق التركة عليهم مال ورثوه من أمهم أو من وجه من الوجوه، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية، وظاهر روايته عن مالك في النكاح الثاني من المدونة والثاني إن لهم أن يرجعوا عليهم فيما أنفق الوصي عليهم من التركة، ويتبعونهم دينا في ذمتهم إن لم يكن لهم مال، وهو قول المخزومي في المدونة؛ لأنه إذا رأى ذلك دينا عليهم إن لم يكن عليهم مال فأحرى أن يؤخذ ذلك من مالهم إن كان لهم مال. والثالث إنه إن كان لهم مال رجعوا فيه بما أنفق الوصي من التركة عليهم وإن لم يكن لهم مال لم يتبعوا بذلك دينا في ذمتهم. والرابع قول أصبغ: إن النفقة مفضوضة على المالين، ولو اختلط المالان، فأنفق عليهم منه بعد اختلاطه، كانت النفقة مفضوضة على المالين. قاله ابن القاسم في المجموعة ولا اختلاف في هذا ولو أنفق عليها من غير التركة لكانت التركة للغرماء، ولا اختلاف في هذا أيضا. فقول ابن القاسم على قياس القول بأن الدين لا يتعين في التركة، وإنما يجب في الذمة وقول المخزومي على قياس القول بأنه يتعين في التركة. وأما القولان الآخران فهما استحسان وبالله التوفيق.

.مسألة يوصي فيقول ثلث مالي للأقرب فالأقرب:

قال أصبغ: قال ابن القاسم في رجل يوصي فيقول: ثلث مالي للأقرب فالأقرب، ويترك بعده أباه وجده، وأخاه وعمه، قال: يقسم ذلك عليهم قال: قدر حاجتهم وجدتهم، ويفضل الأقرب فالأقرب، فأرى الأخ أقرب، ثم الجد بعد، وإن كانوا إخوة ثلاثة مفترقين، فالأخ للأب والأم أقرب، ثم الأخ للأب.
قلت: فإن كان الأخ الأقرب موسرا، والأبعد محتاجا. قال: ما أرى إلا أن يفضل بشيء، وإن كان غنيا على وجه ما أوصى به، ولا يكثر له. قال: وإن كان الذي أوصى به على هذه الوصية إنما هو حبس فالأخ أولى وحده ولا يدخل معه غيره.
قال محمد بن رشد: قوله: يقسم ذلك عليهم على قدر حاجتهم، معناه: إن لم يكونوا ورثة، فالأب لا شيء له في هذه الوصية بحال؛ لأنه وارث على كل حال، وكذلك في كتاب ابن المواز في هذه المسألة إنه يقسم عليهم بقدر حاجتهم، ويفضل الأقرب فالأقرب. قال محمد: قال مالك: ما لم يكونوا ورثة فإنا نرى أنه لم يرد بوصيته ورثته.
وقوله: إن الأخ أقرب من الجد صحيح، أنه يجتمع مع الموصي في أبيه فهو أقرب إليه من جده، وكذلك ولد الأخ، وولد ولد الأخ وإن سفلوا هم أقرب من الجد وهذا على ترتيب القرب في ميراث الولد، فالأخ أولى، ثم بنوه وإن سفلوا، ثم الجد، ثم بنوه وهم الأعمام، وإن سفلوا ثم أب الجد، ثم بنوه، هكذا وإن كان الإخوة أو بنو الإخوة أو الأعمام أو بنوهم في درجة، فالشقيق أحق من الذي للأب ولما سأله عن الثلاثة الإخوة المفترقين، قال: إن الأخ الشقيق أقرب، ثم الأخ للأب وسكت عن الأخ للأم، إذ لا شيء له على مذهبه في أن من أوصى لقرابته، لا يدخل في ذلك قرابته من قبل الأم، إلا أن يكون له قرابة من قبل الأب وقد مضى الكلام على هذا في رسم أسلم من سماع عيسى، وقال: إنه يفضل الأقرب وإن كان موسرا على الأبعد، وإن كان محتاجا، وإن كان الأقرب محتاجا والأبعد موسرا فضل عليه من جهتين، وإن استووا في القرب وهم جماعة قسم ذلك بينهم بالاجتهاد في قدر الحاجة ولا يحرم الأغنياء. وقد قيل: إنه يساوي بينهم في ذلك. وذلك على اختلاف قول ابن القاسم في المدونة في الذي يوصي لأخواله وأولادهم. وقوله: وإن كان الذي أوصى به على هذه الوصية إنما هو حبس، فالأخ أولى وحده، ولا يدخل معه غيره، فمعناه: إذا كانت وصية بسكنى للأقرب فالأقرب وأما إن كانت وصية بحبس له غلة لتقسم الغلة على الأقرب. فالأقرب كل عام، فيدخل الأبعد مع الأقرب بالاجتهاد كما إذا أوصى بوصية مال للأقرب وبالله التوفيق.

.مسألة يوصي فيقول لفلان مائة ولا يسمي شيئا:

قال: وسألت ابن القاسم فيما أعلم عن الرجل يوصي فيقول:
لفلان مائة، ولا يسمي شيئا ولا يدري ما أراد، قال: إن كان البلد إنما المال فيه الدنانير، والغالب عليها، فله الدنانير، وإن كانت بلد دراهم، والغالب عليها الدراهم فالدراهم، وإن كان بلد دنانير ودراهم جميعا فليس له إلا دراهم، ويعطى الأقل، حتى يستيقن غير ذلك إلا أن يكون لوصيته وجه، يستدل به أنه إنما أراد الدنانير أو الدراهم، فيعطى منها مثل أن يوصي فيقول: لفلان مائة دينار، ولفلان عشرة دنانير، ولفلان مائة، ولا يسمى هاهنا شيئا، فهذا ليس له إلا الدنانير، أو يوصي فيقول: لفلان مائة دينار ولفلان عشرة دنانير أو مائة درهم، ولفلان مائة ولا يسمي شيئا فهذا ليس له إلا الدراهم، وإن كان البلد بلاد دنانير، إذا كان هذا بساط الكلام، حتى يستدل به على ما أراد من وجه ذلك وبساطه، فيعمل فيه على ذلك. وقاله أصبغ. وهذا وجه ما سمعت منه وتفسيره.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية تفسير مجمل قوله في أول رسم الصلاة من سماع يحيى حسبما ذكرناه هناك. وبالله التوفيق.

.مسألة تصدق بصدقة وأمر أن يتصدق بها بدرهمين كل شهر:

قال: وسمعت ابن القاسم يقول في رجل تصدق بصدقة، وأمر أن يتصدق بها بدرهمين كل شهر على صرف اثني عشر بدينار، ثم صار الصرف عشرين بدينار، إن عليه سدس دينار كل شهر، بالغا ما بلغ، وكذلك أوصى صاحبها قال أصبغ: يعني إن في وصيته بدرهمين من صرف اثني عشر بدينار شرط. وقاله أصبغ وإن نقصت الدراهم عن اثني عشر لم يكن عليه إلا سدس، وإن لم يكن ذلك بشرط في الوصية ولا بيان، فالدرهمان راتبان كل شهر زاد الصرف أو نقص.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن ذلك على قياس البيوع، لو باع رجل من رجل سلعة إلى أجل بدرهمين من صرف اثني عشر درهما بدينار لم يجب له الدرهمان إذ لم يسمها إلا ليبين بها الجزء الذي باع به من الدينار، فلا يكون له إذا حل الأجل إلا سدس دينار، زاد الصرف أو نقص. ولو باع منه سلعة إلى أجل بسدس دينار من سوم اثني عشر بدينار لم يجب له عليه إذا حل الأجل إلا درهمان، زاد الصرف أو نقص أيضا؛ لأنه لم يسم الجزء إلا ليبين به عدد الدراهم التي باع بها، وإذا باع بدرهمين أو بسدس دينار، ولم يقل من صرف كذا وكذا، فله ما سمى من جزء الدينار أو من عدد الدراهم. ومثل هذا في المدونة وفي سماع أشهب وسماع يحيى من كتاب الصرف. وبالله التوفيق.

.مسألة يوصي عند موته يقول هذه الدار لابني فلان:

قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يوصي عند موته يقول: هذا المتاع، أو هذه الدار لابني فلان، كل ذلك من ميراث من أمه، وليس أحد يعلم ما يقول، ولا يشهد على ما سمى قال: لا يقبل قوله، إلا أن يعلم أنه قد كان لها مال أو عرض فإن علم ذلك، وأتى بأمر غير مستنكر، رأيت أن يقبل ذلك منه.
قال محمد بن رشد: إقرار الرجل في مرضه بما في يديه من الدور والمتاع الذي لا يعرف ملكه لها، إنها لابنه من ميراثه في أمة، كإقراره في مرضه بالدين من ذلك، لا يجوز إلا أن يشبه قوله، ويعرف وجه إقراره بأن يعلم أنه كان لأمه من المال نحو ما أقر له به وكذلك في كتاب ابن المواز: إن إقرار الرجل في مرضه بالدين لابنه لا يقبل منه إلا أن يكون لذلك وجه أو سبب يدل وإن لم يكن قاطعا وإن كانت الدور التي أقر أنها لابنه من ميراثه في أمه يعرف ملكه لها لم يجز إقراره لابنه بها في مرضه على حال، ولو أقر له بها في صحته، لكان إقراره له بها كالهبة تصح له إن حازها له بما يجوز به الآباء، لمن يلون أمرهم من الأبناء، على ما في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات، وفي غيره من المواضع، خلاف قول أصبغ في سماعه من الكتاب المذكور حسبما بيناه. وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى أن فلانا خليفة على رقيق ولده:

وسئل عن رجل أوصى أن فلانا خليفة على رقيق ولده، وأولئك الرقيق الذين يقومون بأمر ولده، أيكون بها خليفة للولد؟ قال: لا، إلا بما يقوم به العبيد لولده، ولا يكون بيده في ذلك بضع نكاح في ذكر ولا أنثى، ولا أمر مما يجوز للوصي.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الوصي كالوكيل، فإذا خص بشيء دون شيء لم يكن له أن يتعدى ما خص به. وبالله التوفيق.

.مسألة ميت مات فوجد في وصيته أن عبدي فلانا لفلان:

قال: وسمعت أشهب وسئل عن ميت مات، فوجد في وصيته أن عبدي فلانا لفلان، ووجد في وصية له أخرى أن يباع من فلان، ولا مال له غيره، قال: يكون ثلث العبد بينهما أرباعا. للموصى له به ثلاثة أرباعه وللموصى له بالبيع منه ربعه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن من حق الذي أوصى له أن يباع منه أن يحط عنه من ثمنه ثلثه، فكان كأنه قد أوصى له بثلث رقبته فوجب أن يشتركا في ثلثه على قدر ما أوصى به لكل واحد منهما، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى فقال أعطوا فلانا عشرة وفلانا السدس أي السدس يعطي:

وسئل عن رجل أوصى فقال: أعطوا فلانا عشرة، وفلانا عشرين، وفلانا السدس، أي السدس يعطي؟ أسدس الثلث؟ أم سدس المال؟ قال: بل سدس المال، أرأيت العشرة والعشرين، من أين أوصى بها؟ قيل: من المال قال: فكذلك السدس إنما هو من المال.
قال محمد بن رشد: قد قيل: إن له سدس الثلث إذا كان قوله بعد وصية، وإنما يكون له سدس المال، إذا كان قوله بعد إقرار بدين، وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه. حكى ذلك عنه محمد بن المواز وقال: هو من رأيه مثل رواية أصبغ هذه عن ابن القاسم، إن له سدس المال في المسألتين جميعا؛ لأنه إذا رأى له سدس المال، إن كان قوله بعد وصية، فأحرى أن يرى ذلك له إذا كان قوله بعد وصية ولكلا القولين وجه، فوجه قول ابن القاسم ما ذكره في الرواية، ووجه القول الآخر أنه لما احتمل أن يريد الموصى سدس المال وسدس الثلث لأنه الذي يتيقن به وما زاد عليه مشكوك فيه، ولا تكون الوصايا بالشك. وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى أن تشتري له رقبة تعتق عنه فاشترى الوصي مدبرا فأعتقه:

وسئل عمن أوصى أن تشتري له رقبة تعتق عنه، فاشترى الوصي مدبرا وهو لا يعلم فأعتقه، قال: لا يجوز عتقه، ولا يجزئ.
قال محمد بن رشد: قوله: لا يجوز ولا يجزئ معناه لا يجوز عتقه، ويرد إلى سيده على تدبيره، ولا يجزئ إن فات رده إلى سيده بموت أو عيب، وكذلك لو اشتراه وهو يعلم أنه مدبر، فأعتقه عن الميت، يرد على هذا القول، ولا يجزئ عن الميت إن فات رده بموت أو عيب، ويضمن الوصي على قول أشهب، وأحد قولي ابن القاسم. وأما على القول بأن من اشترى مدبرا فأعتقه، لا يرد عتقه، وهو أحد قولي مالك إن اشتراه فأعتقه يجزئ عن الميت، إذ لا يرد عتقه، وهو قول ابن القاسم في رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ من كتاب العتق، وسواء دلس له بذلك البائع أو اشتراه، وهو يعلم أنه مدبر، إن كانت الرقبة تطوعا، وأما إن كانت واجبة، فلا يجزئ عن الميت إن اشتراه وهو يعلم أنه مدبر وإن لم يرد العتق، ويضمن الوصي؛ لأن الرقبة الواجبة لا تشترى بشرط العتق، وإذا اشتراه وهو يعلم أنه مدبر فقد اشتراه بشرط العتق إذ لا يجوز أن يباع المدبر على غير العتق، فإن بيع على العتق مضى العتق ولم يرد على هذا القول، ولا يجوز عند مالك أن يباع المدبر ممن يعتقه، وإنما يجوز عنده أن يعطي سيده مالا على أن يعتقه، ويكون الولاء له.
وقد وقع في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات من كتاب الصدقات والهبات، ما ظاهره جواز ذلك، إلا أن يتأول على خلاف ظاهره. وبالله التوفيق.